Wednesday, January 17, 2018

بعبع الثلاثين


(هذه التدوينة توثيق واستفاضة لسلسلة تغريدات كتبتها في تويتر)

دائماً ما نسمع أو نكرر عبارة: "الحياة تبدأ بعد الثلاثين" وكأن الثلاثين هو ذلك البعبع المخيف الذي تحتاج للتلطيف من هوله بأن تجعله بداية ميلادك الحقيقي! لكن دعونا نعترف أن هذه العبارة تقع في روع من أعمارهم تحت الـ٢٩ مثل وقع عبارة "الموت بداية حياة الآخرة، فالثلاثين بالنسبة للمراهقين ولمن هم في في العشرينيات هو عمر نهاية الشباب! هم يعتقدون أن بلوغ هذا العمر بلا إنجاز (بمعايير الإنجاز السائدة) يعني النهاية

أكثر ما يميز الحقبة الجديدة التي نعيشها الآن هي الاهتمام المبالغ به بفئة الشباب وتحفيزه وتطويره وتمكينه، ومن جهة أخرى نجد أن الشباب هم من يتصدرون المشهد خصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك فثقافة الشباب هي السائدة وهي ما تؤثر علينا كل يوم. ولا ننكر أننا نعيش في مجتمعات ترى صغر السن "ميزة"، وكبر السن "عقبة"، مجتمعات تقيّم الشخص حسب ما أنجزه مقارنةً بعمره، تضع صغار السن تحت ضغط الإنجاز وكبار السن تحت ضغط فوات الأوان. لكن هذه كلها قيود وهمية.

حياتك تبدأ منذ التاريخ المكتوب على شهادة ميلادك، هذه حقيقة. لكن أيضاً في نهاية كل عقد بعد ذلك أنت تبدأ حياة جديدة. كل ما في الأمر أنك لا تدرك ذلك قبل الثلاثين. لذلك أقول نعم، الحياة تبدأ بعد الثلاثين، وتبدأ بعد الأربعين وتبدأ بعد التقاعد.. وتبدأ متى أردت لها أن تبدأ. عند كل نقطة تحول في حياتك؛ سواء ببلوغك عمر معين أو بخوضك تجربة جديدة، فأنت تبدأ حياة جديدة، حياة بوعي وفكر أنضج وبفرص جديدة ومختلفة، وأنت الوحيد من يستطيع تشكيلها. متى ما تحررت من قيد الرقم الذي يساوي عمرك البيولوجي، سيتغير منظورك للحياة. وهذا التحرر يبدأ بعد أن تصل الثلاثين، بعد أن تستيقظ في اليوم التالي وتكتشف أن كل شيء مثلما هو، لم يتغير.. لم تحل عليك أي لعنة تخور معها قواك العقلية ولم يتهاوى العالم من حولك.

كان العرب قديماً يعتبرون الأربعين هي نقطة التحول، حتى في القرآن نجد الأربعين هو سن التمام وبلوغ الأشد، وما قبل ذلك كله مجرد تحضير لما بعد الأربعين. فالعلماء العرب قديماً قد قسموا حياة الإنسان إلى: قبل الأربعين: حياة الطلب، بعد الأربعين: حياة العطاء. وهناك عطاء قبل الأربعين وطلب بعدها لكن هذا هو الغالب، ويقصدون بالطلب: طلب المعرفة والعلم والتأسيس المتكامل. أما في القرن الواحد والعشرين فقد تقلّصت نقطة التحول تلك، فالشاب يريد إنجاز ومنصب وشهرة وعائلة واستكشاف العالم كله (وإصدار كتاب أيضاً) قبل أن يبلغ عمر الثلاثين، وكأن هناك checklist عليه إنهاءها حتى يقول عن نفسه "ناجح". ثم ماذا بعد الثلاثين؟ غالباً المحافظة على ذلك المسار وعدم النكوص عنه. 

لكنك تستطيع تحقيق الكثير متى توفرت لك الفرص، والعمر لا دخل لهإن لم تواتك الفرص المناسبة إلى الآن، فلابد أنها ستأتي، والخبر الجيد أن نوعية هذه الفرص ستكون أفضل وقيمتها ستكون أعلى مع مرور الوقت وتراكم خبراتك في الحياة وتوسّع مداركك، المهم أن تسعى لجذب الفرص هذه والبحث عنها ولا تعر اهتماماً للعمر. ولا تقصر مصادر إلهامك بقصص صغار السن فقط، لا تتغنى بأمجاد الفاتحين المراهقين وأصحاب إمبراطوريات التقنية الشباب فحسب، وسّع منظورك لتحرر نفسك، انظر للرازي (أبو الطب) الذي لم يدرس الطب إلا بعد أن تجاوز الأربعين عاماً، رونالد ريجان (رئيس أمريكا ال٤٠) دخل عالم السياسية في عمر ٥٥ عاماً، جوزيه ساراماغو (كاتب رواية العمى الشهير) لم يصدر أي عمل أدبي إلا بعد تجاوزه الأربعين، وتعلم التدوين على الانترنت وهو في عمر الـ٨٥. هناك كذلك سام براينت (مدرب ولاعب كمال أجسام) مارس الرياضة لأول مرة في حياته في عمر الـ٤٤، فيرا وانغ (مصممة فساتين الزفاف الشهيرة) لم تكتشف موهبتها في التصميم إلا بعد الأربعين.


هذه ليست دعوة للتقاعس وترك العمر يمضي مطمئنين، بل دعوة للعمل والبحث عن الشغف لكن بدون أن نضع قيوداً ثقيلة على أعناقنا، ولا أثقل من قيد العمر/الوقت، لكنه قيد وهمي! لا تعش في قيد وهمي، ولا تضغط نفسك حتى تناسب معايير يفرضها آخرين، ولا تقارن نفسك بأي كان، وإن وقعت في شرك الاحباط (ولابد ستقع) ذكّر نفسك أن في الحياة متسع كبير، وطالما حافظت على صحة جسدك وعقلك فالعمر مجرد رقم.

صيفية مع الأدب الخليجي - الأدب العُماني

  ثانياً: الأدب العُماني ثيمات تكررت في الأعمال العمانية:   حياة القرية، تاريخ عمان، العائلة، الاستعباد، الأمومة، الحروب المحلية، الغربة، ال...